تاريخ الكيمياء

لم تكن لليونان جهود تذكر في علم الكيمياء,وهذا امر طبيعي:اذ عنوا بالنظريات اكثر من عنايتهم بالعمليات.فخط التفكير اليوناني وطراز الحياه اليونانيه وطرق معيشتهم-كل ذلك قد جعل الفرديبرز في ميدان البحوث النظريه ويتجاهل العلوم التجريبيه,لذلك كانت معرفتهم بالعلوم التطبيقيه اشبه ما تكون بعقائد جدليه يقبلها البعض ويرفضها البعض الاخر.
لذلك كانت الاسكندريه-لا اثينا- هي المركز الذي نشأ فيه هذا العلم.ففيها تكونت النواه الاولى لعلم الكيمياء,وفيها توسع الكهنه في الاشتغال به وزعموا انهم حولوا المعادن الى ذهب وفضه في اول عصور المسيحيه.
ولما خرج العرب من باديتهم وانطلقوا في نهضتهم كان اول ما اتجهوا اليه هو علم الصنعه-الكيمياء-, وكان الامير خالد بن يزيد بن معاويه الملقب بحكيم ال مروان اول من اشتغل بكتب الصنعه على ما تكاد تجمع عليه الروايات العربيه,فهو لما حبست عنه الخلافه انصرف الى العلوم وتلقى هذا الفن من راهب رومي اسمه مريانوس استقدمه من مدرسه الاسكندريه, وهذا اول عهد لعرب المسلمين بالعلوم الدنيويه, وقد تجلى اهتمام العرب بالكيمياء في مراحله الاولى في السعي وراء تحويل المعادن الخسيسه الى معادن شريفه, والحصول على اكسير الحياه الذي يشفي من كل داء ويكتب لصاحبه الخلود.ومع ان العرب كانت تنقصهم روح التفكير الدقيق في ماهيه العناصر,فلم يصنعوا نظريات ولا نظاما كاملا مفصلا للمركبات الكيميائيه,ومع ان حلمهم الخيالي لم يتحقق, الا انهم وصلوا الى حقائق مهمه لم يدركوا هم انفسهم ما لها من الشأن والخطر. فقد اختبروا اشياء واكتشفوا قوانين وعرفوا مواد هي في الحقيقه الاساس الصحيح الذي قامت عليه نواح كثيره من الكيمياء الحديثه.واذا لم يكن لهم من فضل الا تنبيه الاذهان الى اهميه التجربه العمليه لمعرفه اسرار الطبيعه فناهيك به نفعا.
فالكيمياء لم تصبح علما حقيقيا الا بفضل جهود العرب ونزعتهم العلميه وميلهم الى التجربه والملاحظه والاستنتاج,فهم الذين اكتشفوا القلويات والنشادر ونيترات الفضه وحمض الطرطير, وعرفوا كذلك عمليات التقطير والترشيح والتبلور والتكليس,كما انهم كانوا اول من استحضر حمض الكبريتيك والماء الملكي-حمض النيتروهيدروكلوريك-
والصودا الكاويه وكربونات البوتاسيوم وكربونات الصوديوم وكلوريد الامونيوم والسليماني-كلوريد الزئبق- والراسب الاحمر وملح البارود والكحول وغير ذلك من المواد التي تقوم عليها الصناعات الحديثه.
وكشف العرب كذلك الحمض الازوتي, وقد ورد ذكره في رسائل جابر بن حيان,الذي سماه الماء المحلل, كما اشار ابن الاثير الى ان العرب استعملوا في معركه الزنج ادويه اذا طلي بها الخشب لم يحترق,وقد دخل هذا العلم الى اوروبا باسماء عربيه لا تزال باقيه حتى اليوم في مختلف اللغات:كالقلى والبورق والنطرون والانبيق والسكر والطلق والكحول والاكسير والصابون والقهوه والخ.وتفنن العرب ايضا في صناعه الزجاج ولهم فضل كبير في تحسين صناعه الورق التي اخترعها الصينيون في الاصل,وقد انتقل الورق الذي حل محل وسائل الكتابه السابقه الى اوروبا بواسطه العرب الذين انشأوا له مصانع عظيمه في الاندلس وصقليه.
والخلاصه انه لم يكن العرب مجرد نقله,ولم يكن دورهم مقصورا على حفظ التراث القديم, بل كان لهم فوق ذلك ايضا دور تحول في النظره الى الماده والمعرفه,وفي الطريقه التي يمكن بها معرفه اسرار الطبيعه والوقوف على قوانيا العالم, فخلقوا بذلك علم الكيمياء التجريبي في مفهومه العلمي ووصلوا به الى قمه رفيعه,او على الاقل كانو حلقه مهمه في سلسله تطور هذا العلم