من شعر ابي نواس فى الزهد
أبو نواس يخاطب نفسه ويأمرها بالزهد والرجوع
ومن العجيب في شعر أبي نواس , الشاعر الماجن اللاهي , والفاتك , وزعيم الخمر في الشعر العربي , أن نجد فيه نمطا آخر يحاكي به كبار الشعراء في الزهد والموعظة والتوبة النصوح إلي الله تبارك وتعالى , ونحن أمام هذه النماذج الرائعة الرقيقة من زهديات أبي نواس , لا يسعنا إلا أن نصدّق توبته , فنذوب إعجابا بهذا الشعر الزهدى البالغ الجودة , ومنه قوله مناجيا ربه ؛
يا نواسيُّ تفكًّر = وتجمّل وتصبّر
ساءك الدهر بشئ = ولما سرّك أكثر
يا كبير الذنب عفو الله = من ذنبك أكبر
أكبر الأشياء عن = أصغر عفو الله أكبر
ليس للإنسان إلا = ما قضي الله وقدّر
ليس للمخلوق تدبير = بل الله المدبّر
ومن بديع شعر أبي نواس الزهدى ما قاله وقد تصور نفسه مسجي علي فراش الموت , تقلبه الأيدى , ثم هو يغسل ويحنط ويكفن , ثم يحمل علي سرير الموت , ثم يبعث يوم القيامة , وقد فرّط في حق الله أيّما تفريط . يقول النواسي نادما ومناجيا نفسه وهو من روائع الشعر السهل الممتنع :
يا ليت شعرى كيف أنت علي = ظهر السرير وأنت لا تدرى
يا ليت شعرى كيف أنت إذا = غُسّلت بالكافور والسدْر
يا ليت شعرى كيف أنت إذا = وٌضع الحسابٌ صبيحة الحشر
ما حجتي فيما أتيت وما = قولي لربي بل وما عذرى
يا سوأتي مما اكتسبت ويا = أسفي علي ما فات من عمرى
وله أيضا :
أخي ما بال قلبك ليس ينقي = كأنك لا تظن الموت حقا
ألا يا بن الذين فنوا وبادوا = أما والله ما بادوا لتبقي
وما لك فاعلمن فيها مقام = إذا استكملت آجالا ورزقا
وما لك غير ما قدّمت زاد = إذا جعلت إلي اللهوات ترقي
وما أحد بزادك منك أحظي = وما أحد بذنبك منك أشقي
وله أيضا من زهدياته :
يا سائل الله فزت بالظفر = وبالنوال الهنيّ لا بالكدر
فارغب إلي الله لا إلي بشر = منتقل في البلي وفي الغير
وارغب إلي الله لا إلي جسد = منتقل من صبا إلي كبر
إن الذى لا يخيب سائله = جوهره غير جوهر البشر
مالك بالترهات مشتغلا = أفي يديك الأمان من سقر
وله أيضا رحمه الله :
شاع فيّ الفناء علوا وسفلا = وأراني أموت عضوا فعضوا
ذهبت جِِدتي بطاعة نفسي = وتذكرت طاعة الله نِضوا
وله أيضا غفر الله لنا وله :
دع الحرص علي الدنيا = وفي العيش فلا تطمع
ولا تجمع لك المال = فما تدرى لمن تجمع
ولا تدرى أفي أرضك = أم في غيرها تضرع
وله أيضا :
آيةَ نارِ قدحَ القادحٌ = وأىَّ جِدّ باغ المازحٌ
لله در الشيب من واعظ = وناصح لو حظي الناصح
يأبي الفتي إلا إتباع الهوى = ومنهج الحق له واضح
فاسمٌ بعينيك إلي نسوة = مهورهن العمل الصالح
لا يجتلي العذراء من خدرها = إلا امرؤٌ ميزانه راجح
من اتقي الله فذاك الذى = سيق إليه المتجر الرابح
وله أيضا :
كن مع الله يكن لك = واتق الله لعلّك
لا تكن إلا مٌعدّا = للمنايا فكأنك
إن للموت لسهما = واقعا دونك
أو نحن نجرى في أفانين = سكون وتحرّك
علي الله توكّل = وبتقواه تمسّك .
وله أيضا قد أنشدها الناس غناءا في الستينات في مصر :
إلهنا ما أعدلك = مليك كل من ملك
لبيك قد لبيت لك = لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك = ما خاب عبد أمّلك
أنت له حيث سلك = لولاك يارب هلك
لبيك إن الحمد لك = والملك لا شريك لك
كل نبي وملك = وكل من أهلّ لك
وكل عبد سألك = سبّح أو لبّي ملك
لبيك إن الحمد لك = والملك لا شريك لك
يا خاطئا ما أغفلك = إعمل وبادر أجلك
واختم بخير عملك
لبيك إن الحمد لك = والملك لا شريك لك
وله أيضا
سبحان علام الغيوب = عجبا لتصريف الخطوب
تغدو علي قطف النفوس = وتجتني ثمر القلوب
يا نفس توبي قبل أن = لا تستطيعي أن تتوبي
واستغفرى لذنوبك = الرحمن غفار الذنوب
إن الحوادث كالرياح = عليك دائمة الهبوب
والموت شرع واحد = والخلق مختلفو الضروب
والسعي في طلب التقي = من خير مكسبة الكسوب
ولقلما ينجو الفتي = بتقاه من لطخ العيوب .